المهرة.. تاريخ موغل في القِدم.. وموروث شعبي فريد!! - بقلم ناصر الساكت

بقلم / ناصر الساكت -

المهرة محافظة غنية بتاريخ موغل في القِدم وموروث حضاري وثقافي فريد من نوعه يحكي مختلف المراحل والحقب التاريخية التي عاشها أبناء هذه المنطقة.. ورغم أن هناك عدداً هائلاً من المواقع الأثرية والمناطق التاريخية التي تم ذكر أغلبها في كتب المؤرخين والباحثين اليمنيين وكذلك الرحالة المستشرقين الذين زاروا المهرة إلا أنها لم تلق الرعاية والاهتمام من قبل الباحثين والمهتمين بالتراث، ومن الجهات المعنية بذلك.
مدير عام مكتب الآثار والمتاحف بالمهرة عبدالخالق الحوثري قال: إن المكتب نفذ عدة مسوحات أثرية ضمن العمل الذي ترتكز عليه خطط الفرع وأنشطته لأهمية هذه المسوحات والأعمال في التعريف والحفاظ على المواقع الأثرية والتاريخية وتحديد فتراتها الزمنية وإسقاطها ضمن الخريطة الأثرية للجمهورية وخلال السنوات الماضية تم تنفيذ مسوحات عدة استهدفت بعض المديريات ومنها مديرية حصوين حيث شارك في هذا المسح فريق وطني ومن خلاله تم العثور على مواقع أثرية جديدة تعود إلى ما قبل التاريخ في منطقة عرقيت وكذا العثور على مواقع من العصر البرونزي في مناطق قذيفوت والمساجد السبعة التي تعود للقرنين الخامس والسابع الهجريين وكذلك العثور على مواقع لفترات قديمة مختلفة.
وأضاف: "تعاني المواقع والمعالم الأثرية بالمهرة من غياب الحماية التي تمثل أهم المشاكل والمعضلات التي تواجه مكتب الآثار حيث يوجد أكثر من 90 موقعاً أثرياً وتاريخياً منتشرة في مديريات المحافظة مهددة وعرضة للإهمال ولا يستطيع المكتب حمايتها بسبب عدم توفر حراسة لهذه المواقع التي تتعرض للنبش والتخريب في ظل عدم وجود عقوبة رادعة تحد من هذه الجرائم التي تطال الهوية التاريخية للإنسان اليمني المهري والتي من أبرزها حصن خيبل والمساجد السبعة بحصوين وغيرها من المعالم والمواقع الأثرية التي تعرضت للاعتداء مثل حصن الكافر بالمسيلة وموقع حيرج بسيحوت.. مشيراً إلى أن مكتب الآثار بالمهرة قام برفع قضايا عديدة على المعتدين إلى المحاكم وصدرت بحقهم أحكام نافذة لكنها أقرب إلى عدم التنفيذ لعدم مقدرة المكتب على الإيفاء بأتعاب المحامين الذين يترافعون في قضايا حماية المعالم التاريخية، وعلى الهيئة العامة للآثار والمتاحف العمل على توفير واستيعاب حراس للمواقع الأثرية في المحافظة واعتماد مبالغ خاصة بتغطية أتعاب المحامين المترافعين في مثل هذه القضايا.

موانئ تاريخية

من جانبه أوضح مدير مكتب الثقافة بمديرية حوف / عامر بن سيلام بن سعيد المهري أن هناك العديد من في المدن القديمة في محافظة المهرة والتي وصفها العديد من المؤرخين مثل الموانئ اليمنية التاريخية الواقعة في الساحل الشرقي، منها ميناء خلفوت التاريخي ومدينة حيريج الأثرية وكذلك ميناء قشن التاريخي الذي لعب دوراً في ازدهار الحركة التجارية والانتعاش الاقتصادي من خلال ربط الخط الملاحي الدولي الذي يمر عبر المحيط الهندي والقرن الإفريقي، بالإضافة إلى ميناء يروب - الذي تقع إلى الشرق منه مستوطنة أثرية قديمة يعود تاريخها إلى العصر الحديدي وميناء أو شاطئ يروب استخدم في فترة ما قبل الإسلام كإحدى محطات الطريق البحرية من سمهرم إلى ميناء قنا، وكان يطلق عليـه الأهالي اسم "خور جربون" ثم استمر استخدام الميناء حتى القرنين السادس والسابع عشر الميلادي.. وأيضاً توجد بقايا خزف البورسلين الصيني المنتشر في مستوطنة يروب مما يدل على النشاط الواسع للميناء في تلك الحقبة التاريخية ويتميز هذا الشاطئ عن غيره بوجود أعداد كبيرة من طيور النورس الجميلة خاصة تلك التي تأتي قادمة من البصرة بالعراق خلال فصل الربيع من كل عام.
وأضاف: "تزخر المهرة أيضاً بالكثير من المدن والحصون والكهوف التاريخية الهامة مثل قصر السلطنة العفرارية بمدينة قشن الذي يعود بناؤه إلى ما قبل 750 سنة وقد أجريت له عملية ترميم لإنقاذه ويتميز القصر بفن العمارة الطينية ويحتفظ بطابعه الفريد وبنائه التقليدي ويعد واحداً من أهم المعالم التاريخية المتميزة في بلادنا، بالإضافة الى مدينة الغيضة الأثرية وقرية ضبوت وحيروت التاريخيتين, ومن الحصون والقلاع التاريخية حصن عمرتن وحصن بيت جيدح وحصن خيبل وحصن الكافر وهناك كهوف وجبال أثرية مثل جبال حيطوم ومرارة في منطقة حوف شرق المهرة وكذا مقبرة الغيضة الأثرية وحصن المحتت بمنطقة الدبين مديرية منعر والواقع وسط جبال تطل على مزارع المنطقة كما انه يعتبر متحفاً قديماً حيث توجد فيه أوانٍ قديمة وبأشكال متعددة.

مستوطنات أثرية

الناشط في مجال البيئة والتراث بمكتب الثقافة/ أحمد علي رعفيت قال: " تزخر المهرة بالكثير من المستوطنات الأثرية التي تعود إلى العصور الغابرة ومن مستوطنات العصر الحجري القديم حيث تم اكتشاف مستوطنات في وادي الجيزي غرب الغيضة وعُثر في هذه المستوطنات على أدوات حجرية تعود إلى الحضارة الأشولية .
إضافة إلى مستوطنات من العصر الحجري القديم وجدت بالقرب من قشن وبالقرب من ساحل الخليج العربي يعود تاريخها إلى ما قبل 150 ألف سنة قبل الميلاد إلى جانب مستوطنات من العصر الحجري الحديث وجدت في الصحراء الشمالية لمنطقة ثمود وفي سناو كما وجد أكبر موقع لهذا العصر في مركز حبروت بمديرية شحن ويعود تاريخ هذه المواقع التاريخية إلى الفترة الممتدة من 6000 - 2500 سنة قبل الميلاد .
كما أن هناك مستوطنات من العصر البرونزي فيها رسوم صخرية ومخربشات نُحتت أو رُسمت على صخور وأحجار في مواقع كثيرة بعضها يقع بالقرب من مدينـة الغيضـة ويـعـود تـاريخها إلـى مـا بين 2500 – 1000 سنة قبل الميلاد كمستوطنة كدمة يـروب الأثرية التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة الغيضة على بعد 30 كيلو متراً وهي مستوطنة أثرية قديمة تعود إلى العصر الحديدي، وتنتشر فيها بعض الرسوم الصخرية التي تمثل مناظر صيد وغيرها من المخربشات الصخرية المزينة باللون الأحمر والتي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي الممتد من 2500 – 1000 سنة قبل الميلاد، وهناك أيضاً مستوطنة دمقوت في مديرية حوف ومستوطنة حبروت الأثرية.
وأضاف الناشط في مجال البيئة والتراث أن محافظة المهرة "تتميز بمقومات سياحية فريدة ومناطق جذب لعشاق السياحة البحرية كالغوص والرياضات المائية والاستجمام المنتشرة على طول الشريط الساحلي على البحر العربي مثل شاطئ نشطون وشاطئ بلحاف وشاطئ الفتك وشاطئ السلاحف أو كما يسميه الأهالي "ردغال شيصور " وسواحل حوف وحصوين وقشن وسيحوت والمسيلة .
كما توجد مناطق السياحة العلاجية في منطقة ضبوت بمديرية الغيضة التي تشتهر بالمياه الكبريتية الحارة التي تستخدم في علاج بعض الأمراض الجلدية إضافة إلى مناطق السياحة الصحراوية في حات وشحن خاصة الأجزاء الجنوبية منها .
أما مناطق السياحة البيئية فأهمها منطقة حوف الخضراء ومحميتها الطبيعية وغابتها الفريدة التي توصف إلى جانب غابة ظفار بأنهما مركز التنوع الحيوي والواحة الضبابية في الجزيرة العربية الجافة.
التربوي والناشط في مجال الموروث الثقافي بمديرية سيحوت / سالم أحمد حلال قال: "اشتهرت المهرة بالعديد من الألعاب والرقصات الشعبية المختلفة والمتنوعة والتي تعكس وتحاكي ظروف تعامل الإنسان مع الحياة بتفاصيلها وتنوعها, والفنون الشعبية عنصر أساس تقوم بممارسته جميع الشرائح القبلية وتختلف هذه الألعاب من حيث الطريقة في الاستعراض لكن في الآونة الأخيرة بدأت ظاهرة اختفاء هذه الأهازيج ربما بسبب عدم وجود اهتمام ودعم لإحياء الموروث الشعبي والثقافي في شتى أنواعه وألوانه أو لدخول المدنية في حياة أبناء المهرة، أو ناتج عن غياب وعي وعدم استيعاب أهمية الحفاظ على التراث والجوانب البيئية والجمالية لأن هناك قصوراً واضحاً في نشر التوعية بأهمية السياحة والحفاظ على الموروث الشعبي بالرغم من الدور الطيب الذي تبذله السلطة المحلية في تعزيز جوانب البنية الثقافية باعتبارها تشكل مصدراً مهماً من مصادر الجذب السياحي.
وأضاف: "من الرقصات الشعبية المعروفة في المهرة "الكبارة" وهي اللعبة الأكثر شعبية في سيحوت توارثها أهل المنطقة وتقام في رابع أيام عيد الأضحى تشمل رقصات شعبية جميلة وقصائد وكلما اقترب العيد يزداد الحديث عنها وهي تراث أصيل وعادات وتقاليد فلكلورية قديمة توارثها الأبناء عن الأجداد.